الثلاثاء، 31 يوليو 2012

طفلتى .. اسكندرية

آخذ صغيرى بين زراعى واخرج بعد الفجر متسللة, هاربة بإتجاه الاسكندرية.
للحظة أتوقف لأحدد اتجاهى وسط الضباب ثم انطلق بسرعة خوفا من ان ينتبه لغيابى أحدهم فيتعقبنى. أعرف اننى لن اصلها إلا بوسيلة من اثنتين إما الميكروباص أو القطار, وأعرف اننى لن استطيع دفع اجرة اياً منهما.
صغيرى الذى حاولت قتله منذ زمن يبكى ولا اعرف كيف اسكته, لا خبرة لى بتربية الاطفال اللهم الا عرائسى الصغيرة التى كانت لاتبكى الا عندما أُبكيها وتسكت عندما أريد لها السكوت.
ذهب عمرنا الذى كنا نبكى فيه لألم الاشياء وأتى عمراً اخر اصبح فيه ألم البشرية بأجمعها لا يحرك فينا ساكناً.
رحل عمرى الذى حلمت فيه بإسكندرية لها زرقة البحر وعوامة ملونة وبائع غزل البنات على الشاطئ, تلاه عمر آخر وحلم باسكندرية الشاطبى والرمل وبحرى وأول ترام مع شروق الشمس.
واليوم أهرب الى اسكندرية باردة, بحرها قاس تبتلع امواجه البيوت بساكنيها وتدور نوّاتها فى الشوارع الخالية بحثا عمن تجرأ وخرج من داره فى حضرتها. 
اسكندرية يقودنى اليها طريق مضبب فما أرى أبعد من موضع قدمى وأحمل بن طيات معطف قديم ثمرة حب زائف. 
أتعجب من نساء الغرب اللاتى يردن أطفالاً بتلقيح صناعى .. حتى هذا أيضا اصطنعوه, كيف تشعر المرأة بأنه فلذة كبدها وهو انتاج مصانع ,, تماماً كعرائسى الصغيرة.
تمر بجانبى سيارة وتتوقف على بُعد امتار, بداخلها ملتحِ وبجواره سيدة ترتدى الخمار,  وعلى المقعد الخلفى سَبَت من البوص مُغطى ببشكير يعرضا علي الركوب.. فامتنع, يلحان فى الطلب فأمتنع ثانيةً. لا أعرف ان كانا طيبين كما يوحى شكلهما أم أن وراء هذه اللحية شيطان يضحك نياهاهاهاهاها كالأشرار فى أفلام الكارتون .
امتنع وأمتنع حتى ييأسا فينطلقا وأغضب من نفسى لأنى نسيت أن اسالهما كم تبقى لأصل الى اسكندريتى.
طفلتى التى أحمل سأسميها اسكندرية تيمناً بمدينتى التى لم أحيا فيها يوماً واحداً, علّها تكبر يوماً فتصبح مثلها, قوية مثلها, حنونة كليالى صيفها وهادرة كنهارات شتاءها. 
تستوقفنى دورية شرطة ويسألنى المخبر الى اين؟؟ فأتصنع الذكاء وأكذب "أنا ذاهبة الى الصعيد حيث أهل زوجى" فخورة بنفسى لأنى ضللتهم, هكذا سوف يبحثون عنى فى الصعيد ولن يخطر ببالهم اننى بالاسكندرية وأضحك, فيشير له أحد الضباط بان اتركها تذهب, ثم يستوقفنى ضابط آخر "انتظرى .. ماهذا الذى تحملين؟" ,, فأجيب "طفلى" وأتلعثم "لا .. انها طفلتى" فيامر أحد العساكر بان يحضره للتفتيش -أكره العساكر منذ أن جردوه من ثيابه أمامى وأهانوا رجولته- ياخذ طفلى بغلظة ويكشف عنه المعطف بقسوة البرد, ثم يستغرق فى الضحك, يغمز له الضابط "فتش الطفل جيداً لتجد مكان الحشيش المخبأ بداخله" فيأخذ العسكرى السونكى الخاص ببندقيته وينهال طعناً على الطفل, مع كل طعنا كنت اصرخ فيه بان كفى ويضحكون, مع كل طعنة كان القطن يتناثر من داخله طائرا الى عنان السماء, وفى النهاية ألقاه عند قدمى وهو يضحك نفس ضحكة النياهاهاهاهاها "أخبرينى هل كان فتىً أم صبية؟" ويضحك... 
بكيت وبكيت حتى نمت فى موضعى عازمة عند الصحو ان اكمل طريقى الى الاسكندرية فحتما سأجد بها مصنعاً للأطفال كما بالغرب .. أليست الاسكندرية فى الغرب!!

هبة

31\7\2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق